2814 - " أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صلى
إلى كل صلاة مثلها غير المغرب ، فإنها وتر النهار ، و صلاة الصبح لطول قراءتها
، و كان إذا سافر عاد إلى صلاته الأولى " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 744 :
أخرجه الطحاوي في " معاني الآثار " ( 1 / 241 ) من طريق مرجى بن رجاء قال :
حدثنا داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : فذكره . قلت : و هذا إسناد
حسن رجاله ثقات غير مرجى بن رجاء فإنه مختلف فيه و أورده الذهبي في " المتكلم
فيهم بما لا يوجب الرد " ، و قال ( 173 / 319 ) : " علق له البخاري ، جائز
الحديث " . و قد لخص كلام الأئمة فيه الحافظ ، فقال في " التقريب " : " صدوق
ربما وهم " . قلت : قد قام الدليل على أنه قد حفظ و لم يهم ، بمتابع له معتبر و
شاهد . أما المتابع فهو محبوب بن الحسن : حدثنا داود به . أخرجه السراج في "
مسنده " ( ق 120 / 2 ) من طريقين عنه ، و صححه ابن خزيمة و ابن حبان كما في "
تمام المنة " ( 304 ) ، و احتج به الحافظ كما يأتي ، و محبوب هذا اسمه محمد و
محبوب لقبه ، قال ابن معين : " ليس به بأس " . و ذكره ابن حبان في " الثقات " .
و قال النسائي : " ضعيف " . و قال أبو حاتم : " ليس بالقوي " . قلت : فمثله
يستشهد به على الأقل ، و إلى ذلك أشار الحافظ بقوله : " صدوق فيه لين " . و
تابعهما أبو معاوية الضرير - و هو ثقة - في " مسند ابن راهويه " ( 3 / 933 -
934 ) لكنه لم يذكر فيه ( مسروقا ) . و بعضه في " صحيح البخاري " ( 3935 ) و "
أبي عوانة " ( 2 / 28 ) و ابن راهويه ( 2 / 107 / 31 ) من طريق معمر عن الزهري
عن عروة عن عائشة مختصرا بلفظ : " فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي صلى الله
عليه وسلم ففرضت أربعا و تركت صلاة السفر على الأولى " . و هو متفق عليه دون
ذكر الهجرة ، و هو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 1082 ) . و أما الشاهد ، ففي "
المطالب العالية المسندة " للحافظ ابن حجر ( ق 25 / 2 ) : " إسحاق <1> : قلت
لأبي أسامة : أحدثكم سعد بن سعيد الأنصاري قال : سمعت السائب ابن يزيد يقول :
كانت الصلاة فرضت سجدتين سجدتين : الظهر و العصر ، فكانوا يصلون بعد الظهر
ركعتين و بعد العصر ركعتين ، فكتب عليهم الظهر أربعا و العصر أربعا ، فتركوا
ذاك حين كتب عليهم ، و أقرت صلاة السفر [ ركعتين ] ، و كانت الحضر أربعا ؟ فأقر
به ، و قال : نعم " . و قال الحافظ : " هذا حديث حسن " . قلت : و إنما لم يصححه
مع أن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم ، لأن سعدا الأنصاري مختلف فيه ، قال أحمد : "
ضعيف " . و كذا قال ابن معين في رواية . و قال في أخرى : " صالح " . و قال
النسائي : " ليس بالقوي " . و قال ابن سعد : " كان ثقة قليل الحديث " . و قال
الترمذي : " تكلموا فيه من قبل حفظه " . و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 4 /
298 ) و قال : " كان يخطىء " . قلت : و لهذا أورده الذهبي في رسالته المتقدمة "
المتكلم فيهم " ( 111 / 141 ) فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى ، فهو شاهد
جيد . و قد أخرجه السراج في " مسنده " ( ق 120 / 1 ) و الطبراني في " المعجم
الكبير " ( 7 / 184 - 185 ) من طرق أخرى عن سعيد به مختصرا . و قال الهيثمي ( 2
/ 155 ) : " رواه الطبراني في " الكبير " ، و رجاله رجال ( الصحيح ) " . و له
شاهد آخر ، و لكنه مما لا يفرح به لشدة ضعف راويه و هو عمرو بن عبد الغفار ،
رواه عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال : " فرضت الصلاة ركعتين [
ركعتين ] ، فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حتى قدم المدينة ، و
صلاها في المدينة ما شاء الله ، و زيد في صلاة الحضر ركعتين و تركت صلاة السفر
على حالها " . أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 2 / 31 / 2 / 5541 - بترقيمي ) و
قال : " لم يروه عن عاصم إلا عمرو ، و لا يروى عن سلمان إلا بهذا الإسناد " .
قلت : قال الهيثمي ( 2 / 156 ) : " و فيه عمرو بن عبد الغفار ، و هو متروك " .
( تنبيه ) : زيادة ( ركعتين ) في حديث سلمان هذا استدركتها من " مجمع الزوائد "
، كما استدركتها في حديث السائب المتقدم من " المطالب العالية " المطبوعة ( 1 /
180 ) ، و قد سقط منها عزو الحديث لإسحاق ! و الظاهر أن محقق الكتاب الشيخ
الأعظمي لم يرجع إلى النسخة المسندة من " المطالب العالية " ، و إلا لتدارك هذا
السقط ، و لما وقع في خطأ تفسيره لقوله المتقدم في الحديث : " فأقر به " ، فإنه
قال : " أي فأقر به سعد بن سعيد " ! و هذا خطأ محض ، و الصواب أن يقال : " أي
فأقر به أبو أسامة " كما هو ظاهر من سياق إسناده المتقدم ( ص 745 ) . و هو أبو
أسامة حماد بن أسامة من ثقات شيوخ الأئمة الشافعي و أحمد ، و إسحاق بن راهويه .
( فائدة ) : دلت الأحاديث المتقدمة على أن صلاة السفر أصل بنفسها ، و أنها ليست
مقصورة من الرباعية كما يقول بعضهم ، فهي في ذلك كصلاة العيدين و نحوها ، كما
قال عمر رضي الله عنه : " صلاة السفر و صلاة الفطر و صلاة الأضحى و صلاة الجمعة
، ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم " . رواه ابن خزيمة و
ابن حبان في " صحيحيهما " ، و هو مخرج في " إرواء الغليل " ( 638 ) . و ذلك هو
الذي رجحه الحافظ في " فتح الباري " بعد أن حكى الاختلاف في حكم القصر في السفر
، و دليل كل ، فقال ( 1 / 464 ) : " و الذي يظهر لي - و به تجتمع الأدلة
السابقة - أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب ، ثم زيدت
بعد الهجرة عقب الهجرة إلا الصبح ، ( ثم ذكر حديث محبوب ، و فاته متابعة المرجى
، و قال : ) ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية
السابقة و هي قوله تعالى : *( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة )* ، و يؤيد
ذلك ما ذكره ابن الأثير في " شرح المسند " : أن قصر الصلاة كان في السنة
الرابعة من الهجرة .. " . و خالف ما تقدم من التحقيق حديثيا و فقهيا بعض ذوي
الأهواء من المعاصرين ، و هو الشيخ عبد الله الغماري المعروف بحبه للمخالفة و
حب الظهور ، و قديما قيل : حب الظهور يقصم الظهور ! و الأمثلة على ذلك كثيرة
كنت ذكرت بعضها في مقدمة المجلد الثالث من السلسلة الأخرى : " الضعيفة " ، و في
تضاعيف أحاديثها . و أمامنا الآن هذا المثال الجديد : لقد زعم في رسالته "
الصبح السافر " ( ص 12 ) في عنوان له : " فرضت الصلاة أربعا لا اثنتين " ، و
استدل لذلك - مموها على القراء - بأمور ثلاثة : الأول : الآية السابقة *( فليس
عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة .. )* ، و ذكر أنها نزلت في صلاة الخوف في
العهد المدني . الثاني : أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع
عن المسافر الصيام و شطر الصلاة " . رواه أصحاب السنن و غيرهم ، و هو مخرج عندي
في " صحيح أبي داود " ( 2083 ) و غيره . الثالث : أنه ساق خمسة أحاديث صريحة في
أن قصر الصلاة كان في مكة حين نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه
وسلم ، و صلى به الصلوات الخمس . و الجواب على الترتيب السابق :
1 - أما الآية فقد اعترف هو ( ص 20 ) أنها نزلت بعد الهجرة في السنة الرابعة أو
الخامسة ، و زاد ذلك بيانا فقال ( ص 21 ) : " بل الذي وقع أنه كان بين زيادة
صلاة الحضر و قصر صلاة السفر فترة زادت على ثلاث سنوات كما مر " ! قلت : فهو قد
هدم بهذا القول الصريح ذلك العنوان ، و ما ساقه تحته من الأدلة ، و هذا أولها ،
فإن معنى ذلك أن صلاة الحضر فرضت اثنتين اثنتين ، ثم زيدت في المدينة ، و هذا
يوافق تماما حديث عائشة و بخاصة حديث الترجمة ، و ما استظهره الحافظ كما تقدم ،
و يخالف زعمه أنها فرضت أربعا أربعا في مكة ! 2 - الأحاديث التي ذكرها و أشرت
إليها ، و نقلت إلى القراء واحدا منها ، لأن الجواب عنه جواب عنها ، و هو في
الحقيقة نفس الجواب عن الآية السابقة ، لأن الوضع المذكور في الحديث يصح حمله
في كل من الاحتمالين أي سواء كانت الزيادة مكية كما يزعم الغماري ، أو مدنية
كما يدل عليه ما تقدم من الأحاديث ، فقوله ( ص 12 ) : " فهذه ثلاثة أحاديث تصرح
بأن صلاة المسافر مقصورة من أربع ركعات ، لأن معنى وضع شطر الصلاة حط نصفها بعد
أن كان إتمامها واجبا عليه " . قلت : فهذا الكلام لا ينافي ما ذكرته ، و لا
دليل فيه يؤيد به انحرافه ! 3 - أما الأحاديث الخمسة الصريحة ، فهي في الحقيقة
أربعة لأن الثالث و الخامس منها مدارهما على الحسن البصري مرسلا ، و هي كلها
ضعيفة منكرة ، و قد دلس فيها على القراء ما شاء له التدليس ، و أوهمهم صحة بعض
أسانيدها و صراحة متونها و هو في ذلك غير صادق ، و إليك البيان بإيجاز و تفصيل
: أما الإيجاز : فهو أن الأحاديث الخمسة منكرة كلها ، لضعف أسانيدها و مخالفتها
للأحاديث الصحيحة التي لم تذكر تربيع الركعات في الظهر و العصر و العشاء ، و
بعضها يصرح أن الصلاة فرضت ركعتين ركعتين ، فأقرت في السفر و زيدت في الحضر . و
أما التفصيل ، فأقول مستعينا بالله عز وجل : 1 - أما الحديث الأول : فذكره ( ص
13 ) من طريق أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبي مسعود الأنصاري قال : " جاء جبريل
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قم فصل ، و ذلك لدلوك الشمس حين مالت ،
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر أربعا .. " . ثم ذكر مثله في
صلاة العصر و العشاء . و قال : " رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " على شرط
الشيخين " . قلت : هذا من تدليسه فإنه يعلم أن أبا بكر بن عمرو لم يسمعه من أبي
مسعود لأنه نقله من كتاب " نصب الراية " للزيلعي ( 1 / 223 ) و قد نقل عن
البيهقي أنه منقطع ، و هذا قد أخرجه في " سننه " ( 1 / 361 ) و كذا الباغندي في
" مسند عمر ابن عبد العزيز " ( رقم 62 ) من طريق أخرى عن أبي بكر به . و قال
البيهقي : " أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لم يسمعه من أبي مسعود الأنصاري و
إنما هو بلاغ بلغه " . هذا أولا . و ثانيا : هو يعلم أن الحديث في " الصحيحين "
و غيرهما من طريق أخرى عن أبي مسعود مختصرا ليس فيه بيان الصلوات بله الركعات ،
و أخرجه أبو داود ببيان الصلوات دون الركعات ، و هذا كله يعني أن ذكر الركعات
منكر لأنها زيادة بسند ضعيف على الرواية الصحيحة ، و قد أشار إلى هذه الحقيقة
الحافظ ابن حجر بقوله عقب حديث أبي بكر : " قلت : و أصله في " الصحيحين " من
غير بيان " الأوقات " . و كذا في " نصب الراية " . و هو مخرج في " صحيح أبي
داود " ( 418 ) و " الإرواء " ( 1 / 269 ) . و ثالثا : هو يعلم أيضا أن الحديث
قد جاء عن جماعة من الصحابة بلغوا سبعة نفر ليس في حديثهم عدد الركعات ، منهم
عبد الله بن عباس و جابر بن عبد الله و أبو هريرة ، و هي مخرجة في " الإرواء "
( 249 ) ، و " صحيح أبي داود " ( 417 و 419 و 420 ) و هي كلها مخرجة في " نصب
الراية " ، فماذا يقول الإنسان عن رجل يتجاهل كل هذه الروايات ، و بعضها صحيح و
حسن لذاته ، و بعضها حسن لغيره ، و يتشبث برواية ضعيفة منكرة هي رواية أبي بكر
هذه عند إسحاق . على أن هذا قد روى عنه رواية أخرى موافقة لرواية الجماعة ، هي
أصح من روايته الأولى المنقطعة ، فقد روى معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد
بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عمرو بن حزم قال : " جاء جبريل فصلى بالنبي صلى
الله عليه وسلم .. " الحديث ليس فيه ذكر الركعات . رواه إسحاق بن راهويه في "
مسنده " كما في " نصب الراية " ( 1 / 225 ) و " المطالب العالية " ( ق 9 / 2 )
من طريق عبد الرزاق ، و هذا في " المصنف " ( 1 / 534 ) لكن وقع سقط في إسناده .
و قال الحافظ عقبه في " المطالب " أيضا : " هذا إسناد حسن ، إلا أن محمد بن
عمرو بن حزم لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم لصغره ، فإن كان الضمير في "
جده " يعود إلى " أبي بكر " توقف على سماع أبي بكر من عمرو " . قلت : هو عن جده
مصرح به - كما ترى - فهو منقطع لأن ( محمد بن عمرو ) لم يدركه ، و لكنه صحيح
لشواهده المتقدمة ، فإنه ليس فيه شيء من النكارة بخلاف رواية أبي بكر الأولى .
تدليس آخر للغماري هداه الله ، قال عقب حديثه المتقدم عن أبي مسعود و فيه عدد
الركعات المنكر : " و رواه البيهقي في " المعرفة " من طريق أيوب بن عتبة :
حدثنا أبو بكر بن عمرو ابن حزم عن عروة بن الزبير عن ابن أبي مسعود الأنصاري عن
أبيه " . قلت : وجه تدليسه على القراء من ناحيتين : الأولى : سكت عن إسناده
فأوهم أن لا شيء فيه و أن البيهقي لم يتكلم عليه ، و هو خلاف الواقع ، فإن
الزيلعي لما عزاه للبيهقي لم يدلس كما صنع الغماري ! و منه نقله ، بل أتبعه
بقوله ( 1 / 223 ) : " قال البيهقي : فأيوب بن عتبة ليس بالقوي " . و الأخرى -
و هي أخطر - : أنه ليس في هذه الطريق تربيع الركعات ، و قد أشار لذلك البيهقي
في " المعرفة " بقوله ( 1 / 173 ) عقب الحديث : " و لم أر ذكر العدد إلا في
حديث سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ( يعني : حديثه عن أبي بكر المتقدم و الذي
أعله بالانقطاع ) و قد اختلفوا فيه ، و حديث معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة
يدل على أنها فرضت بمكة ركعتين ركعتين ، فلما خرج إلى المدينة فرضت أربعا ، و
هو أصح " . قلت : و هذا مما لا شك فيه لحديث الترجمة و غيره مما تقدم ، و لكن
الغماري لا يقيم وزنا لما صح من الحديث ، بل و يضعفه بالرأي لمجرد مخالفته
لهواه كحديث معمر هذا ، فإنه قد ضعفه مع كونه في " صحيح البخاري " كما سيأتي
بيانه ، و الله المستعان . و يؤيد ما أشار إليه البيهقي ، أن الحديث أخرجه
الطبراني في " المعجم الكبير " ( 17 / 260 / 718 ) فقد ساقه فيه بتمامه من طريق
أيوب بن عتبة ، و ليس فيه التربيع . و ثمة تدليس ثالث للغماري في قوله عقب
فقرته السابقة : " و رواه الباغندي في " مسند عمر بن عبد العزيز " ، و صرح في
روايته باسم بشير ابن أبي مسعود . و بشير قال عنه الحافظ : تابعي جليل ..
فالحديث بمجموع الطريقين صحيح " . قلت : ليتأمل القارىء هذا التدليس الخبيث ،
كيف أنه تكلم عن بشير و أنه ثقة - و هذا حق - و انصرف عن الكلام عن علة الحديث
و هي أيوب بن عتبة الذي في رواية البيهقي موهما القراء أن لا علة فيه ! كما أنه
ليس عند الباغندي ( رقم 64 ) التربيع أيضا ! و قوله : فالحديث صحيح بمجموع
الطريقين إن كان يعني بهما رواية البيهقي و الباغندي فهو واضح البطلان لأنه من
باب تقوية رواية الضعيف بروايته الأخرى ، و هذا لا يصدر إلا من مأفون ! و إن
كان يعني طريق أيوب هذه و طريق ابن راهويه ، فهو قريب من الأول لأن مدارهما على
أبي بكر ، غاية ما في الأمر أن الطريق الأولى منقطعة كما تقدم ، و الأخرى متصلة
، لكن الذي وصلها - و هو أيوب - ضعيف ، و الأولى رجالها ثقات ، و قد قال
الغماري نفسه كما سبق أن إسنادها على شرط الشيخين فكيف يصح تقوية المنقطع
بالمتصل و روايته مرجوحة ! هذا لو كان في متن كل منهما التربيع ، و ليس كذلك
كما سبق ، و لم يكن ذكر التربيع في رواية أبي بكر منكرا ، و هيهات هيهات ، فقد
أثبتنا نكارته بما لا قبل لأحد برده مهما كان مكابرا كالغماري . و بهذا ينتهي
الكلام على حديثه الأول . 2 - و أما حديثه الثاني و هو عن أنس ، فقد كفانا مؤنة
رده اعتراف الغماري بأن في إسناده مجهولين ، لكن هذا ليس بعلة قادحة عندي
لأنهما قد توبعا و إنما هي المخالفة ، بل النكارة في المتن ، و المخالفة في
السند و المتن ! أما الأولى : فهي قولهما في حديثهما : أن جبريل أمر النبي صلى
الله عليه وسلم أن يؤذن للناس بالصلاة . و معلوم أن الأذان إنما شرع في المدينة
! و الأخرى : أن البيهقي أخرج الحديث بسند صحيح عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي
عن قتادة : حدثنا أنس بن مالك أن مالك بن صعصعة حدثهم فذكر حديث المعراج بطوله
و فيه فرض الصلوات الخمس . قال قتادة : و حدثنا الحسن يعني البصري أن النبي صلى
الله عليه وسلم .. قلت : فذكر الحديث نحو رواية المجهولين ، لكن دون الأمر
بالأذان ، و فيه تربيع الصلوات الثلاث ، و قال البيهقي عقبه : " ففي هذا الحديث
، و ما روي في معناه دليل على أن ذلك كان بمكة بعد المعراج ، و أن الصلوات
الخمس فرضت حينئذ بأعدادهن ، و قد ثبت عن عائشة رضي الله عنها خلاف ذلك " . ثم
ساق البيهقي حديث معمر المتقدم برواية البخاري ، و حديث داود بن أبي هند من
طريق ثالث عنه ، استغنيت عن ذكره هناك بالطريقين السابقين . قلت : و وجه
المخالفة أن شيبان النحوي بين في روايته عن قتادة عن أنس أنه ليس فيها ذكر
التربيع الذي رواه قتادة عن الحسن مرسلا . و معنى ذلك أن الحسن زادها على أنس ،
فكانت منكرة بهذا الاعتبار ، فكيف إذا ضم إلى ذلك مخالفته أيضا للأحاديث
الصحيحة التي سبقت الإشارة إليها ؟ 3 - و أما حديثه الثالث ، و قد ساقه من طريق
سعيد عن قتادة عن الحسن . فقد عرفت الجواب عنه آنفا ، و لذلك فمن التدليس
الخبيث قوله : " مرسل صحيح الإسناد ، و هو مع حديث أنس حجة ، كما تقرر في علم
الحديث و الأصول " ! قلت : يشير إلى قولهم - و اللفظ للنووي في " تقريبه " ( 1
/ 198 - بشرح " التدريب " ) : " فإن صح مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر مسندا أو
مرسلا أرسله من أخذ عن غير رجال الأول كان صحيحا " . و راجع " فتح المغيث " ( 1
/ 138 ) . و جوابنا عن قوله المذكور من وجهين : الأول : أن هذا في غير المرسل
الذي ثبتت نكارته و مخالفته للأحاديث الصحيحة ، و مثله أقول في المسند الشاهد
له أنه لا يصلح للشهادة لأنه منكر أيضا كما سبق تحقيقه ، فكيف يقوي منكر منكرا
؟! و الآخر : أن مراسيل الحسن عند العلماء شبه الريح كما قال الحافظ العراقي
فيما نقله السيوطي في " شرحه " ( 1 / 204 ) ، و ذلك لأنه كان ممن يصدق كل من
يحدثه ، و لذلك قال ابن سيرين : حدثوا عمن شئتم من المراسيل إلا عن الحسن و أبي
العالية ، فإنهما لا يباليان عمن أخذا الحديث . و قال أحمد : ليس في المرسلات
شيء أضعف من مرسلات الحسن و عطاء بن أبي رباح ، فإنهما يأخذان عن كل أحد .
نقلتهما من " جامع التحصيل " للعلائي ( ص 44 و 86 و 87 و 97 ) . و إن مما يؤكد
ما ذكر العلماء أن الحسن نفسه قد يروي حديثا عن صحابي دون أن يسمي من حدثه عنه
، ثم هو يفتي بخلافه ! الأمر الذي يشعرنا بأنه هو نفسه كان لا يثق بما يرسله ،
فانظر " الضعيفة " الحديث ( 342 ) . 4 - و أما حديثه الرابع ، فقد ذكره من
رواية عبد الرزاق في " المصنف " عن ابن جريج قال : قال نافع بن جبير و غيره :
... فذكر الحديث . و قال عقبه : " إسناده صحيح " ! قلت : و هذا كذب صريح ، و
تدليس على القراء خبيث ، فإن نافع بن جبير تابعي معروف ثقة ، فلو أنه قال :
إسناده مرسل صحيح ، لكان كذابا أيضا ، فإن في الطريق إليه علتين تحولان دون
التصحيح : الأولى : و هي ظاهرة لكل ذي معرفة بهذا العلم ، و ما أظن ذلك مما
يخفى على الغماري ، و لكنه الهوى ! و هي قول ابن جريج : قال : قال نافع . فإن
ابن جريج كان من المدلسين المعروفين بذلك و المكثرين منه كما في " التحصيل " (
ص 123 ) للعلائي ، فمثله لا يقبل حديثه إلا إذا صرح بالتحديث ، و بخاصة أنه كما
قال الدارقطني : " تدليسه قبيح ، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح ، مثل إبراهيم
بن أبي يحيى و موسى بن عبيدة " ! و العلة الأخرى : أن عبد الرزاق أخرجه في "
كتاب الصلاة " من " مصنفه " ( 1 / 532 / 2030 ) ، و هذا الكتاب يرويه عنه إسحاق
بن إبراهيم الدبري ( انظر ص 349 منه ) و في سماعه منه كلام معروف ، قال النسائي
في " الضعفاء " ( ص 297 / 379 ) في ترجمة عبد الرزاق : " فيه نظر لمن كتب عنه
بأخرة " . زاد في " التهذيب " عنه : " كتب عنه أحاديث مناكير " . و قال الذهبي
في " الميزان " في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الدبري : " سمع من عبد الرزاق
تصانيفه ، و هو ابن سبع سنين أو نحوها ، لكن روى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة ،
فوقع التردد فيها هل هي منه فانفرد بها ، أو هي معروفة مما تفرد به عبد الرزاق
" . و في " اللسان " : " ذكر أحمد أن عبد الرزاق عمي فكان يلقن فيتلقن ، فسماع
من سمع منه بعدما عمي لا شيء . قال ابن الصلاح : و قد وجدت فيما روى الدبري عن
عبد الرزاق أحاديث استنكرتها جدا ، فأحلت أمرها على الدبري ، لأن سماعه منه
متأخر جدا " . قلت : و بالجملة فالحديث ضعيف لإرساله ، و انقطاعه بين مرسله و
الراوي عنه ، و ضعف السند إليه ، ظلمات بعضها فوق بعض ، و مع هذا كله يقول فيه
هذا الهالك في عجبه و غروره : إسناده صحيح !! أضف إلى ذلك العلة العامة الشاملة
لأحاديثه الخمسة ، و هي مخالفة الأحاديث الصحيحة ! 5 - و أما حديثه الخامس ،
فهو عن الحسن البصري أيضا كما تقدمت الإشارة إليه و تقدم الجواب عنه في حديثه
الثالث بما فيه كفاية و أنه منكر مثل كل أحاديثه ! هذا ، و من ضلال هذا المأفون
أنه بعد أن ساق هذه الأحاديث الضعيفة و بنى عليها أن الصلوات الثلاث فرضت أربعا
أربعا ، انبرى ليضعف ما صح من الأحاديث المخالفة لها ، و هي ثلاثة : الأول :
حديث عائشة المتقدم : فرضت الصلاة ركعتين ... الحديث . و هو مما أخرجه الشيخان
و غيرهما من أصحاب الصحاح ، حتى قال ابن رشد في " البداية " ( 3 / 395 - بتخريج
الهداية ) : " إنه حديث ثابت باتفاق " . و أقره مخرجه الشيخ أحمد الغماري أخو
عبد الله هذا ، و خرجه و لم يعلق عليه بشيء ، و أما هذا المأفون ، فزعم ( ص 16
و 18 ) : أنه شاذ ، و الشاذ من قبيل الضعيف . بعد أن ادعى أنه موقوف عليها . و
هذه الدعوى و إن كان مسبوقا إليها من بعض فقهاء الشافعية ، فقد ردها الحافظ - و
هو شافعي أيضا - بقوله في " الفتح " ( 1 / 464 ) ردا على المخالفين : " فهو مما
لا مجال للرأي فيه ، فله حكم الرفع " . قلت : و إني - والله - لأتعجب كل العجب
من أولئك الفقهاء و كيف يجيزون على السيدة عائشة أن تقول من نفسها : " فرض الله
الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر و السفر .. " الحديث ، و هو متفق عليه
- كما تقدم - و لو أنها قالت من نفسها : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
... " كما قال ذلك ابن عمر في صدقة الفطر ، لو أن ذلك قاله قائل دون توقيف من
رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتبر القائل من الكاذبين على رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فكيف يكون حاله لو قال : " فرض الله .. " ؟! تالله إنها لإحدى
الكبر أن يقال في عائشة الصديقة رضي الله عنها أنها قالت ذلك من نفسها دون
توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم ! و لا يقال : لعلهم لم يقفوا على هذا
اللفظ الصريح في الرفع ، و إنما على اللفظ الآخر : " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين
.. " . لأننا نقول : هب أن الأمر كذلك بالنسبة لغير الغماري ، فإنه في معنى
الأول ، ألا ترى أن العلماء ذكروا في " مصطلح الحديث " : " و قول الصحابي : "
أمرنا بكذا " أو " نهينا عن كذا " مرفوع مسند عند أصحاب الحديث " . كذا في "
اختصار علوم الحديث " ( ص 50 ) و غيره . و ليس بخاف على أحد أنه لا فرق بين قول
الصحابي : " أمر " و قوله " فرض " ، و بخاصة إذا صرح بالفاعل كما في هذه
الرواية الصحيحة عن عائشة رضي الله عنها ، فالحكم على الحديث و الحالة هذه
بالوقف مخالف لقواعد علم الحديث ، هذه القواعد التي يتبجح الغماري بالإحالة
إليها كثيرا دون ما فائدة كما فعل في الحديث الثالث المتقدم . و إنما قلت آنفا
: " لغير العماري " ، لأن أولئك الفقهاء قد يمكن أن يلتمس لهم العذر من باب
إحسان الظن بهم ، و أما هذا الغماري فقد أغلق هذا الباب بينه و بين مخالفيه ،
لكثرة طعنه فيهم بغير حق ، كما كنت شرحت ذلك في مقدمة المجلد الثالث المشار
إليه فيما سبق ، و لمكابرته في رد النصوص إما بردها و تضعيفها ، أو بتأويلها و
إخراجها عن معانيها الظاهرة . و هذا هو المثال بين يديك حديث عائشة يرده بعلة
الوقف ، و قد عرفت بطلانها مما بينت آنفا . و هناك شيء ثان و ثالث يدل على
مكابرته و جحوده . أما الأمر الثاني ، فهو مخالفته لأئمة الحديث الذين أوردوا
الحديث في " مسانيدهم " كالطيالسي ( 1535 ) و حديثه صريح في الرفع كما يأتي في
الذي بعده ، و أحمد ( 6 / 234 و 241 و 265 و 272 ) و أبي يعلى ( 5 / 48 و 8 /
107 ) و غيرهم ، و معلوم أن " المسانيد " وضعها مؤلفوها للأحاديث المرفوعة ، و
لا يذكرون فيها شيئا من الموقوفات إلا نادرا . أما الأمر الثالث ، فهو تقصده
الإعراض عن ذكر الأحاديث المرفوعة صراحة كحديث الترجمة و ما في معناه مما تقدم
تخريجه ، لمخالفتها ما ذهب إليه من أن أصل الصلاة التربيع ، و هذا مما يؤكد أنه
من أهل الأهواء ، لأنهم يذكرون ما لهم ، و لا يذكرون ما عليهم بخلاف أهل السنة
فإنهم يذكرون ما لهم و ما عليهم و لا يصح أن يقال : أنه لعله لم يطلع على تلك
الأحاديث ، ذلك لأن بعضها في " فتح الباري " ، و هو من مراجعه يقينا ، و قد رآه
فيه معزوا لصحيح ابن خزيمة و ابن حبان ، فلماذا أعرض عنه ؟! و لقد زاد في
المكابرة فقال في الوجه العاشر ( ص 18 ) : " و لم يأت في شيء من الطرق التي
استندوا إليها صحيحها و ضعيفها أن الصلاة كانت اثنتين ثم فرضت بعد الهجرة أربعا
" . قلت : يأبى الله بحكمته إلا أن يكشف مكابرة هذا المدبر و ضلاله - بقلمه -
فإنه ينفي ذلك في كل الطرق حتى الضعيفة منها ، فكيف يقول هذا و هو في صدد تضعيف
حديث عائشة ، و من ألفاظه في رواية معمر المتقدمة بلفظ : " فرضت الصلاة ركعتين
ثم هاجر النبي ففرضت أربعا .. " . و هذا اللفظ قد ذكره هذا المدبر نفسه في
رسالته ( ص 20 ) ، فهذا نص صريح ينافي ما نفاه ، فهل كان ذلك عن غفلة منه أو
تغافل ؟ أحلاهما مر ، فهذا الحديث صريح في الرفع ، فهو يبطل ادعاءه بأنه موقوف
، و حسبك أنه في صحيح البخاري مع وروده من طرق أخرى كما تقدم . و أما زعمه بأنه
شاذ ضعيف ، فهو أبطل من سابقه ، لأنه لم يقله مسلم من قبله ، و قد ذكرت آنفا عن
ابن رشد أنه ثابت باتفاق . بل إنني أقول : إنه صحيح يقينا لأنه من أحاديث
الصحيحين التي تلقتها الأمة بالقبول ، لا فرق بين من حمله على الوجوب ، و من
حمله على الاستحباب ، و ما كان كذلك من أحاديثهما فهو يفيد العلم كما هو مقرر
في " المصطلح " ، و راجع لذلك " شرح اختصار علوم الحديث " لابن كثير . و لهذا
فإني أخشى أن يشمله وعيد قوله تعالى *( و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له
الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت مصيرا )* (
115 : النساء ) . و لو علم القارىء الأسباب التي حملته على مخالفته للمسلمين
لازداد تعجبا معي من جرأته في المخالفة ، و يمكن تلخيصها بما يأتي : أولا :
مخالفته بزعمه للقرآن و حديث وضع شطر الصلاة ، و قد سبق بيان بطلان هذه
المخالفة ، و أنه موافق لهما ، فلا داعي للإعادة . ثانيا : أنه مخالف بزعمه
أيضا لأحاديثه الخمسة ، و قد عرفت أنها ضعيفة الأسانيد منكرة مخالفة للأحاديث
الصحيحة ، و منها حديث الترجمة . و لذلك لم يصححها أحد ! ثالثا : أنه يجوز أن
يكون شرعت الركعتان حين فرض عليه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء خمسون صلاة ،
ثم خففت إلى خمس و كملها أربعا أربعا ! و هذا تجويز عقلي - و من عقله هو ! -
يغني حكايته عن رده لمعارضته للنصوص الصحيحة . رابعا : لما تواتر من بيان
ركعاتها من جبريل صبيحة ليلة الإسراء ! و هذا كذب و زور لم يقله أيضا مسلم قبله
، و هو تكرار للمخالفة الثانية . و المتواتر إنما هو صلاة جبريل عليه السلام
بالنبي صلى الله عليه وسلم دون بيان الركعات . بل لو قيل بأن المتواتر أنها
فرضت ركعتين ركعتين لما كان بعيدا عن الصواب ، لتلقي الأمة لحديثها بالقبول كما
تقدم آنفا . و بالجملة فالرجل مغرم بالمخالفة للعلماء بسوء فهمه الذي يصور له
الصحيح ضعيفا و الضعيف صحيحا ، و مما ضعفه أيضا من الحديث الصحيح حديث عمر
المتقدم ( ص 748 ) : " صلاة السفر .. ركعتان تمام غير قصر .. على لسان نبيكم "
( ص 23 ) و حديث ابن عباس : " إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم على المسافر
ركعتين .. " حكم عليه أيضا بالشذوذ ! ( ص 22 - 23 ) . و إن من خبثه و مكره
بقرائه ، أن هذه الأحاديث الصحيحة و التي هو يضعفها ، لا يخرجها حتى لا يتنبه
القراء أنها صحيحة فيشكون على الأقل بتضعيفه إياها ! فحديث ابن عباس رواه مسلم
و أبو عوانة و ابن خزيمة و ابن حبان في " صحاحهم " ، و حديث عائشة أخرجه
الشيخان كما تقدم ، و كذا المذكورون مع مسلم آنفا ، و حديث ابن عباس مخرج عندي
في " صحيح أبي داود " ( 1134 ) و " الروض النضير " ( 393 ) و حديث عمر سبق
تخريجه . و من الأحاديث الضعيفة التي صححها هذا الغماري المأفون حديث عائشة : "
كان يسافر فيتم الصلاة و يقصر " ( ص 26 - 28 ) و لا أريد إطالة الكلام في الرد
عليه فإنني قد بينت ضعفه و كشفت عن علته في " إرواء الغليل " ( 3 / 6 - 9 ) و
إنما أريد أن ألفت نظر القراء إلى أمرين هامين : الأول : أن الغماري لم يبين
صحة الحديث على طريقة المحدثين ، و بخاصة و هو بصدد الرد على المضعفين له كابن
تيمية و ابن القيم و ابن حجر و إنما اقتصر على تقليد الدارقطني في قوله : "
إسناده صحيح " و قد بينت هناك أن فيه مجهول الحال ، و أما الغماري فقال ( ص 30
) : " رجال إسناده ثقات " ! دون أي بيان أو تحقيق ! و الآخر : أن من المضعفين
لهذا الحديث الذي صححه هذا الغماري الصغير أخاه الكبير أحمد الغماري رحمه الله
، فإنه قال معلقا على قول ابن رشد : " لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم
الصلاة قط " . فقال الشيخ أحمد : " قلت : هذا معلوم من سيرته لمن تتبع الأحاديث
و الأخبار في أسفاره صلى الله عليه وسلم ، و قد نص الحفاظ على ذلك ، قال ابن
القيم في " الهدي النبوي " ... " ثم ساق كلام ابن القيم ، و ارتضاه . و أما
الغماري الصغير ، فإنه حكاه و رده بتصحيح الدارقطني لإسناده و تقليده إياه كما
تقدم ، فتأمل كم هو مغرور بنفسه ، هالك في مخالفاته ! نسأل الله العافية و
السلامة . و خلاصة ما تقدم أن حديث الترجمة صحيح بمتابعه و شاهده ، و بعضه في "
صحيح البخاري " ، و بشاهده الذي حسنه الحافظ . و قد جاء الحديث من طريق أخرى عن
عائشة ، و هو الآتي بعده . و الحمد لله تعالى وحده . ثم رأيت المسمى حسن السقاف
الهالك في تقليد شيخه عبد الله الغماري ، قد نقل عن كتابه " الصبح " بعض أقواله
في أحكام السفر ، نقلها في كتاب له أسماه " صحيح صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
من التكبير إلى التسليم كأنك تنظر إليها " ، و هو كتاب مزور مسروق من كتابي
المعروف كما يشعرك به عنوانه ، و يؤكد ذلك لكل باحث بصير مضمونه ، فإنه جرى فيه
على نهج شيخه في التدليس على القراء و تضعيف الأحاديث الصحيحة و تصحيح الأحاديث
الضعيفة مؤكدا بذلك أنه - على الأقل - من أهل الأهواء بما لا مجال لبيان ذلك
الآن ، فحسبي من ذلك هنا الإشارة إلى أنه في كتابه المذكور عقد فصلا في آخره في
قصر الصلاة في السفر ، جرى فيه على الإعراض عن دلالة حديث عائشة و غيره في وجوب
قصر الصلاة في السفر ، مصرحا بأنه رخصة فقط ! و أتى برواية باطلة عن عائشة ، أن
قصره صلى الله عليه وسلم إنما كان في حرب ، و أنه كان يخاف !! و من المتواتر عن
النبي صلى الله عليه وسلم و الخلفاء الراشدين أنهم داوموا على القصر في السفر
في حجة الوداع و غيرها ، فهل خفي هذا على هذا المقلد ، أم هي المكابرة و الجحد
للحقائق ؟! ثم لم يكتف بذلك بل زاد في الطين بلة أنه زعم ( ص 276 ) أن سنده حسن
، و هو في ذلك غير صادق ، و قد بينت ذلك في " الضعيفة " رقم ( 4141 ) . و الله
المستعان . و إليك الآن بالطريق الآخر الموعود لحديث عائشة الصحيح رضي الله
تبارك و تعالى عنها : " كان يصلي بمكة ركعتين - يعني - الفرائض ، فلما قدم
المدينة ، و فرضت عليه الصلاة أربعا ، و ثلاثا ، صلى و ترك الركعتين كان
يصليهما بمكة تماما للمسافر " .
-----------------------------------------------------------
[1] هو ابن راهويه الإمام الحافظ صاحب " المسند " المعروف به . و انظر الصفحة
الآتية ( 747 ) . اهـ . |