2780 - " كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فقلنا : زالت الشمس ، أو
لم تزل صلى الظهر ثم ارتحل " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 652 :
أخرجه الإمام أحمد ( 3 / 113 ) : حدثنا أبو معاوية حدثنا مسحاج الضبي قال :
سمعت أنس بن مالك يقول : فذكره . قلت : و هذا إسناد صحيح ثلاثي من ثلاثيات
أحمد رحمه الله تعالى ، و أخرجه أبو داود عن طريق مسدد : حدثنا أبو معاوية به .
و قد أوردته في " صحيح أبي داود " برقم ( 1087 ) منذ سنين ، ثم وقفت على كلام
لابن حبان يصرح فيه بإنكار الحديث ، فرأيت أنه لابد من تحقيق الكلام عليه ،
فأقول : قال ابن حبان في ترجمة مسحاج بن موسى الضبي من كتابه " الضعفاء " ( 3 /
32 ) : " روى حديثا واحدا منكرا في تقديم صلاة الظهر قبل الوقت للمسافر - لا
يجوز الاحتجاج به " ! ثم قال : " سمعت أحمد بن محمد بن الحسين : سمعت الحسن بن
عيسى : قلت لابن المبارك : حدثنا أبو نعيم بحديث حسن . قال : ما هو ؟ قلت :
حدثنا أبو نعيم عن مسحاج .. ( فذكر الحديث ) ، فقال ابن المبارك : و ما حسن هذا
الحديث ؟! أنا أقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الزوال و قبل
الوقت ؟! " . قلت : و هذا إن صح عن ابن المبارك ، فهو عجيب من مثل هذا الإمام ،
فإن الحديث ليس فيه الإخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي قبل
الزوال .. و إنما فيه أن الصحابة أو بعضهم كانوا إذا صلى النبي صلى الله عليه
وسلم الظهر ، يشكون هل زالت الشمس أم لا ، و ما ذلك إلا إشارة من أنس إلى أنه
إلى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها في أول وقتها بعد تحقق دخوله كما أفاده
الشيخ السفاريني في " شرح ثلاثيات مسند أحمد " ( 2 / 196 ) و نحوه ما في " عون
المعبود " ( 1 / 467 ) : " أي : لم يتيقن أنس و غيره بزوال الشمس و لا بعدمه ،
و أما النبي صلى الله عليه وسلم فكان أعرف الناس للأوقات ، فلا يصلي الظهر إلا
بعد الزوال ، و فيه الدليل إلى مبادرة صلاة الظهر بعد الزوال معا من غير تأخير
" . و قد بوب أبو داود للحديث بقوله : " باب المسافر يصلي و هو يشك في الوقت "
، و علق عليه صاحب " العون " فقال : " هل جاء وقت الصلاة أم لا ؟ فلا اعتبار
لشكه ، و إنما الاعتماد في معرفة الأوقات على الإمام ، فإن تيقن الإمام بمجيء
الوقت ، فلا يعتبر بشك بعض الأتباع " . و قوله : " على الإمام " ، و أقول : أو
على من أنابه الإمام من المؤذنين المؤتمنين الذين دعا لهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالمغفرة ، و هو الذين يؤذنون لكل صلاة في وقتها ، و قد أصبح هؤلاء
في هذا الزمن أندر من الكبريت الأحمر ، فقل منهم من يؤذن على التوقيت الشرعي ،
بل جمهورهم يؤذنون على التوقيت الفلكي المسطر على التقاويم و ( الروزنامات ) ،
و هو غير صحيح لمخالفته للواقع ، و في هذا اليوم مثلا ( السبت 20 محرم سنة 1406
) طلعت الشمس من على قمة الجبل في الساعة الخامسة و خمس و أربعين دقيقة ، و في
تقويم وزارة الأوقاف أنها تطلع في الساعة الخامسة و الدقيقة الثالثة و الثلاثين
! هذا و أنا على ( جبل هملان ) ، فما بالك بالنسبة للذين هم في ( وسط عمان ) ؟
لا شك أنه يتأخر طلوعها عنهم أكثر من طلوعها على ( هملان ) . و مع الأسف فإنهم
يؤذنون للفجر هنا قبل الوقت بفرق يتراوح ما بين عشرين دقيقة إلى ثلاثين ، و
بناء عليه ففي بعض المساجد يصلون الفجر ثم يخرجون من المسجد و لما يطلع الفجر
بعد ، و لقد عمت هذه المصيبة كثيرا من البلاد الإسلامية كالكويت و المغرب و
الطائف و غيرها ، و يؤذنون هنا للمغرب بعد غروب الشمس بفرق 5 - 10 دقائق . و
لما اعتمرت في رمضان السنة الماضية صعدت في المدينة إلى الطابق الأعلى من
البناية التي كنت زرت فيها أحد إخواننا لمراقبة غروب الشمس و أنا صائم ، فما
أذن إلا بعد غروبها بـ ( 13 دقيقة ) ! و أما في جدة فقد صعدت بناية هناك يسكن
في شقة منها صهر لي ، فما كادت الشمس أن تغرب إلا و سمعت الأذان . فحمدت الله
على ذلك . هذا ، و إذا عرفت معنى الحديث و أنه ليس فيه ما زعمه ابن حبان من
تقديم صلاة الظهر قبل الوقت للمسافر ، سقط قوله : أن الحديث منكر ، و أن راويه
مسحاج لا يحتج به ، و لاسيما و قد وثقه من هو أعلى كعبا منه في هذا الفن ، فقد
ذكر ابن أبي حاتم في كتابه ( 4 / 1 / 430 ) أن يحيى بن معين قال فيه : ثقة . و
قال أبو زرعة : لا بأس به ، و في " الميزان " و " التهذيب " عن أبي داود أنه
قال أيضا : ثقة . و إن مما يقرب لك معنى الحديث ، و أنه لا نكارة فيه ، علاوة
على ما سبق من البيان ما رواه البخاري ( 1683 ) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق
عن عبد الرحمن ابن يزيد عن ابن مسعود أنه قدم ( جمعا ) .. فصلى الفجر حين طلع
الفجر ، قائل يقول : طلع الفجر ، و قائل يقول : لم يطلع الفجر .. الحديث . و
أبو إسحاق و إن كان اختلط ، فهو شاهد جيد لما نحن فيه . و بعد ، فإنما قلت في
إسناد ابن حبان : " إن صح .. " ، لأنني لم أعرف شيخه أحمد ابن محمد بن الحسين ،
و قد روى له في " صحيحه " ، و رأيت له في " موارد الظمآن في زوائد ابن حبان "
ثلاثة أحاديث ( 823 و 2327 و 2360 ) ، و وصفه في الثاني منهما بـ " نافلة
الحسين بن عيسى " ، أي ولد ولده . فالله سبحانه و تعالى أعلم . ثم رأيت الذهبي
قد ترجمه في " السير " ( 14 / 405 - 406 ) و وصفه بأنه " الماسرجسي ، الإمام
المحدث العالم الثقة .. سبط الحسن بن عيسى .. " . ( تنبيه ) : وقع الحديث في "
الضعفاء " بلفظ : " صلاة الظهر " ، مكان " صلى الظهر " ، فقال محققه محمود
إبراهيم زايد : " هكذا في المخطوطة ، و لم أعثر عليه فيما لدي من المراجع ، و
يشبه أن يكون الأصل : فصلى صلاة الظهر " ! قلت : هكذا فليكن التحقيق ! أليس
عندك " سنن أبي داود " على الأقل لتصحح عليه ؟! و الصواب : " صلى الظهر " ، و
أنا أظن أن لفظة " صلى " تحرف على الناسخ إلى " صلاة " ! |